تنطلق هذه الصيحة بقوة وحماس من فم أم إحدى لاعبات كرة القدم الشابات دون أن تلتقط أنفاسها وكأنها معلق محترف على مباريات كرة القدم بأمريكا اللاتينية.
وجاءت هذه الصيحة عقب تسجيل ابنتها ماريا / 20 عاما / وهي نجمة في فريق روجوس أو الحمر هدفا في ملعب استاد كلينفلد ببلدة سيبات الكولومبية ليتقدم فريقها بهدف مقابل لا شيء، وفي نفس الوقت يصفق عمدة البلدة الذي يتابع المباراة من المقصورة مشجعا، وترفرف الرايات. وأصبحت بلدة سيبات أكثر نظافة وأكثر قابلية لأن يعيش المواطنون فيها من مناطق أخرى حول العاصمة بوجوتا.
وهذه المباراة هي جزء من مشروع لرياضة كرة القدم يهدف إلى مساعدة الشباب على الابتعاد عن المخدرات والعنف وزيادة فرص الانغماس في الحياة المنتجة وهناك مشروعات مماثلة في البرازيل وكوستاريكا والأرجنتين وكينيا وجنوب أفريقيا، وحققت كولومبيا نجاحا في هذا المشروع الذي يعد بمثابة منهاج لإدماج الشباب في عملية تحسين الصحة والانتاج، وانضم إليه حوالي 150 ألف من لاعبي كرة القدم الصغار بالشوارع حول العالم، ويحمل المشروع اسم : لعبة للسلام.
ويمارس الفتيان والفتيات في كولومبيا الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و16 عاما اللعبة في فرق مختلطة من الذكور والإناث في شوارع المدن وفي مساحات خضراء مفتوحة وفي ملاعب كرة القدم، وتقضي لوائح ممارسة اللعبة في هذا المشروع بأن يبدأ احتساب تسجيل الأهداف بعد أن تسجل اللاعبة في الفريق المختلط أول هدف في المباراة ثم يبدأ بعد ذلك احتساب باقي الأهداف، ومع ذلك تحسب النتيجة النهائية للمباراة ليس وفقا لفارق الأهداف وإنما وفقا لنظام من النقاط يحتسبه الحكام ويعتمد على عدة عوامل مثل عدم الخشونة أو الخداع في الملعب ومثل تعاون الفريق في الأداء وتصرفات مشجعي الفريقين.
وتخرج ماريا من المباراة بعد أداء طيب وسط هتاف المشجعين وأعضاء أسرتها، ويضم كل فريق خمسة لاعبين من بينهم ثلاثة فتيان وفتاتان.
وتعد مدينة ميدلين محل مولد مشروع السلام من خلال كرة القدم والذي تم إعداده بهدف إحلال الهدوء والسلام في ضواحي المدينة التي عانت من العنف المصاحب للمخدرات، وتم تأسيس المشروع بعد مقتل أندرياس إسكوبار لاعب الفريق القومي الكولومبي عام 1994 في حادث أدى إلى إصابة المدينة بالشلل، وفي ذلك الوقت كان جورجن جريسبك وهو خبير ألماني في علوم الرياضة يعد درجة الدكتوراة في ميدلين.
ويقول جريسبك أن "مقتل إسكوبار كان بمثابة صدمة، ولكننا أدركنا بعد ذلك أنه يمكن استغلال سحر كرة القدم لتحقيق هدف طيب"، وفي عام 1996 أسس جريسبك مع أصدقائه مبادرة كرة القدم للسلام بهدف إيجاد تعايش سلمي من خلال حب السكان لكرة القدم.
وحقق البرنامج نجاحا في ميدلين على الرغم من عدم وجود رعاية رسمية له، بل تم بدء برامج مماثلة أكثر قوة وأحدها البرنامج الرئاسي في بوجوتا وهو نشيط للغاية وتسانده اليونيسيف وجمعية للتعاون الفني يدعمها دافعو الضرائب بألمانيا.
وفي هذا الصدد يقول بيتر هاوزشنيك من الجمعية الألمانية أنه ينبغي توسيع نطاق هذا البرنامج ليصل إلى المناطق النائية من المدن والقرى لتشجيع الصغار هناك وإنهاء موجة المخدرات والعنف، وتدعم الجمعية المنظمين والمدربين في برنامج كرة القدم في مناطق العنف.
ويبلغ عدد المشتركين في البرنامج بكولومبيا 19 ألف لاعب ثلاثة أرباعهم من الأطفال والشباب حتى عمر 26 عاما والباقي أكبر سنا، بينما يبلغ عدد الفرق نحو ألف فريق، وتشترك السيدات والفتيات في البرنامج في نحو مئة بلدة ومدينة بكولومبيا الواقعة بأمريكا الجنوبية، ويطلق على اللعبة المختلطة اسم /إل جولومبياد/ وتهدف إلى مساعدة الأفراد على الإندماج في المجتمع والتغلب على تشككهم في البرامج الحكومية والفوز بثقتهم عن طريق أنشطة مشتركة تنظمها منظمات المجتمع المدني.
وتحب ماريا وزميلاتها اللعب في فرق مختلطة مع الفتيان حتى يظهرن لهم الإمكانات التي تتمتع بها الفتيات ويلاحظ أن هذه المباريات المختلطة أفضل من حث اللعب النظيف والسلوك الرياضي، كما أن الفتيات يشعرن بالسعادة لاحترام الفتيان لهن نظرا للقاعدة التي تقضي بأنه يجب أن تسجل اللاعبة أول هدف في المباراة.
ويرقص عدد من اللاعبين تحت أشعة الشمس الحامية على الطريق بالقرب من استاد كلينفلد، بينما يحلق الأفراد حوله وهم يتبادلون الأحاديث في جماعات صغيرة وتسود الاستاد روح الود، وتراجع الخوف من الهجمات وإطلاق الرصاص وعمليات الاختطاف من جانب بارونات المخدرات ورجال حرب العصابات خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية بفضل برنامج السلام.
ويعقب لاعب الكرة الكولومبي ميجويل كاباليرو الذي يمتلك مصنعا لإنتاج الملابس الواقية من الرصاص على نجاح البرنامج بقوله أن هناك تراجعا في شراء منتجاته في كولومبيا خلال السنوات القليلة الماضية معربا عن سعادته بهذا الاتجاه، مشيرا إلى أنه يعوض هذا التراجع بزيادة الطلب على منتجاته من دول أخرى في أفريقيا والشرق الأوسط.
وفي الأحياء الفقيرة يمارس الأطفال اللعب من أجل مستقبل أفضل رغم الافتقار إلى الإمكانات، ويكون أمامهم فرص أفضل في المدرسة والحياة للإندماج في المجتمع ونبذ العنف والمخدرات، ويقول أحد المدربين أن الأطفال في بداية البرنامج يتسمون جميعا بالعنف ويتفوهون بعبارات سيئة، والآن فإنهم يحترمون بعضهم البعض، ويشير إلى الملعب قائلا إن هذا المكان كان مستودعا للقمامة منذ سنوات اعتاد الصغار أن يلتقوا فيه لتدخين الماريجوانا.